اجسامنا عالم من المعجزات
بقلم / د. هارون يحي
هلم معا أعزائي للقيام برحلة في عالم مليء بالمعجزات، عالم يحتوي على الكثير مما يستوجب منكم معرفته والاطلاع على أسراره، و ربما كان هذا العالم غير لافت لانتباهكم، ولكن ينبغي أن تعرفوا بأن هذا العالم يعمل فيه تريليون من العمال دون توقف.
نعم تريليون من العمال، ولا تندهشوا من ضخامة هذا الرقم لأن العالم الذي نقصده ليس إلا خلايا أجسامكم التي تعمل من أجلكم. فكل جزء من أجزاء الجسم يتألف من هذه الخلايا. و تمارس هذه الخلايا وظائفها دون توقف، حتى وأنتم تقرأون هذا النص. فخلايا العين تؤدي وطائفها دون توقف كي نستطيع تمييز الكلمات التي نقرأها، وكذلك خلايا اليدين حيث تؤدي وظائفها لكي نستطيع الإمساك بالكتاب الذي نقرأه.
وتؤدي خلايا المجاري التنفسية والرئتين وظائفها كي تتحقق عملية التنفس. وتؤدي خلايا المعدة في الوقت نفسه وظائفها لإتمام هضم الأغذية التي تناولتموها قبل ساعات.
وخلايا جسمنا تحت المجهر
إن الأمثلة التي ذكرناها ما هي إلا بعض من الوظائف التي تؤدى في أجسامكم على مدار الساعة دون توقف، إلا أنها تجري دون أن نشعر بحدوثها. تُرى، كيف استطاعت هذه التريليونات من الخلايا أن تتجمع مع بعض البعض؟ وكيف استطاعت أن تعرف وظيفتها المتخصصة؟ و كيف استطاعت أن تنسق فيما بينها من ناحية أداء الوظائف؟ كيف تحدث هذه الوظائف دون خلل أو خلط بينها؟
وبمعنى آخر كيف لا تقوم أية خلية من خلايا الجسم بأداء وظيفة خاصة بخلية أخرى؟ و لا تعترض أية خلية على أداء وظيفتها المتخصصة؟ وفوق ذلك تجري جميع هذه الوظائف في أجسامنا و بسرعة مذهلة.
وسوف نرى معا عند تناولنا للوظائف الجسمية كالهضم والتنفس والرؤية والسمع مدى كونها ظواهر حياتية خارقة للغاية. وسوف نكتشف أيضا كيفية سلوك خلايا أجسامنا أثناء أدائها لهذه الوظائف سلوكا شبيها بالمهندس أحيانا وبالكيميائي أحيانا أخرى، وبالذي يعرف احتياجات غيره من الخلايا و يعمل عل توفيرها.
إنّ هذه الوظائف جميعا يتم القيام بها من قبل خلايا لا ترى بالعين المجردة، وهذا أمر محير للعقول فعلا، وبالإضافة إلى ذلك تؤدي هذه الخلايا وظائفها المذكورة دون أي مساعدة من جهة أخرى، ودون أن ترتكب أي خطأ.
والخلايا ليست كائنات مثلنا نحن، وهي لا تستطيع أن ترى بعضها البعض ولا أن تسمع ولا أن تقرر، فهي عديمة العقل والبصر و السمع، ولكنها كما سنرى لاحقا تستطيع تمييز المركبات الكيميائية والحال أنها لم تتلق أي تعليم في مادة الكيمياء. فهي تستطيع إنتاج المواد المختلفة نسبة إلى هذه المركبات الكيميائية، وكذلك تستطيع تمييز هذه الظواهر الفيزيائية وهي كذلك لم تتلقّ أي تعليم في مادة الفيزياء. وبالرغم من ذلك تقوم هذه الخلايا بتعيين نسبة الضوء الداخلة إلى العين، وبالتالي تمكّننا من رؤية الأشياء. ونحن نسأل أنفسنا كيف تستطيع هذه الخلايا إنجاز جميع هذه الوظائف؟
سيتبين لنا في الصفحات القادمة أن كل هذه الوظائف المحيرة لا تؤديها الخلايا بمحض إرادتها، وربما أدركتم استحالة تعلمها لأداء هذه الوظائف بمرور الوقت و عن طريق المصادفة.
ونحن نستطيع العيش بفضل هذه الوظائف التي تقوم بها خلايا لا ترى بالعين المجردة. و تقودنا هذه الحقائق إلى أمر مهم. إن ثمة عقلا مدبرا و خارقا علّم الخلايا و ألهمها أداء هذه الوظائف، وصاحب هذا العقل المدبر الخارق هو الله سبحانه وتعالى الذي يحبنا ويعلم سرنا وعلانيتنا. وهو الذي صور كل شيء فأحسن تصويره.
تستطيع التريليونات من الخلايا الموجودة في أجسامنا أداء وظائفها المختلفة دون نقص أو خلل، وكل ذلك نتيجة المخطط الإلهي الخارق الذي ينظم عملها. لذلك نستطيع نحن كبشر أن نستمر في الحياة دون أية صعوبة. فاستيقاظكم من النوم وتناولكم لفطور الصباح وتذوقكم للعسل أو حتى لعبكم خارج البيت أو قراءتكم لكتاب ما لا يحدث إلا برحمة الله عز و جل.
تجري داخل كل خلية من خلايا أجسامنا فعاليات حيوية أكثر بكثير مما يجري داخل المختبرات التي ترى في الصورة إلى الأسفل.
فالله عز وجل هو الذي خلقنا وهيأ لنا من أسباب الحياة ما نحتاجه بالفعل، لذلك علينا أن نشكره ونحمده على النعم التي أنعم بها علينا، وعلينا كذلك التفكر بعمق في هذه النعم والتأمل مليا في الآيات التي احتوى عليها القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي أنزله الله عزوجل ليكون هدى و رحمة للعالمين:
يري في الصورة محتويات الخلية، وفي مركز الخلية ترى النواة. أما ما حولها فهي باقي محتويات الخلية ذات الوظائف المختلفة.
(إِنّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ التِي تَجْرِي بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَى بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْم يَعْقِلُونَ) (الآية 164- سورة البقرة)
وسنطلع معا على أهم المعلومات المتعلقة بأجسامنا، وسوف ندرك كيف أن الله تعالى خلق أجسامنا على أحسن صورة. وبعد قراءتكم للكتاب أعزائي الأطفال، سيزداد حبكم لله عز وجل وشكركم له سبحانه، وستزداد رغبتكم في إفهام من حولكم من الذين لا يفكرون فيما تعلمتموه من خلال اطلاعكم على ما في هذا الكتاب